الجمعة، نوفمبر 26، 2010

الإخوان المسلمون، ثمانون عاما من الاضطهاد

ثمانون عاما من الاضطهاد.. لأنها ثمانون عاما من الحكام الفاشلين الذين أوصلوا مصر إلى حضيض الدنيا، فمن من ذهب غير مأسوف عليه إلى مزبلة التاريخ، ومنهم من تنتظره المزبلة.. وعسى أن يكون قريبا..

وأول من قال "إن المشكلة لا يمكن أن تكون في أنظمة الحكم جميعا، بل لابد أن تكون في الإخوان" هو –على حد علمي- محمد حسنين هيكل، وهو –ولا فخر- فيلسوف عصر المظالم والهزائم الناصري، ثم انطلت الكذبة حتى شارك فيها بعض الإخوان ممن يحبون أن يكونوا "إصلاحيين" على خط التنوير والحداثة والتجديد!!

والحق أن المشكلة في الحكام، وبلا خلاف، ولو استطعنا أن نخرج في هذه الأعوام الثمانين حاكما واحدا فعل شيئا ذا بال لهذه البلاد لما وجدنا، فالحقبة الملكية كان حكمها على الحقيقة بيد المندوب السامي البريطاني (هل كان البريطانيون وطنيين؟!!)، ثم خلفها حكم عبد الناصر الذي حارب ثلاثة حروب انهزم فيها جميعا، وأسس فيها للاستبداد والتسلط، وتوحش للأجهزة الأمنية والمخابرات، ومات بعد أن بلغت مصر في عهده أصغر مساحة عبر تاريخها، وقد بلغت السجون في عهده حدا لم تبلغه سجون الاحتلال، وأعدم فقهاء القانون والتفسير وعذب فيه شيوخ الأزهر، وهو ما لم يفعله جنود مملكة لا تغيب عنها الشمس.. من يستطيع أن ينكر أن عهد عبد الناصر كان مذبحة للحريات وللمؤسسات؟!!

ولئن كان عبد الناصر قد اضطهد الجميع، وخص بمزيد من الوحشية جماعة الإخوان المسلمين، فإن السادات أنعم على الجميع بالشرعية إلا جماعة الإخوان المسلمين، فهل كانت المشكلة في الإخوان.. ثم لقد مات الرجل بعد أن اضطهد الجميع أيضا، فهل هي مشكلة الجميع؟!!

ثم جاء حسني مبارك، ولقد أطال الله في عمره وفي عهده حتى لم تُبْقِ له أعماله مُحِبٌّ ولا متابع، اللهم إلا المنافقون، الآكلون على كل الموائد، واللاعقون كل حذاء.. عبيد أهوائهم وشهواتهم، ولو ضاعت البلاد وهلك الحرث والنسل.

ثمانون عاما من الفشل.. ونعم، لقد كانت مشكلة هذه البلاد في أنظمة حكمها..

وهي مشكلة وصلت إلى عمق جديد في هذا المشهد الانتخابي المصري الأخير، إذ برغم أن النظام قد تخلص من كل المعوقات التي قد تضايقه في التزوير، لا رقابة دولية، لا إشراف قضائي، لا شعارات "دينية"، إلا أنه مصرٌّ على أن يمارس لذته في الضرب والتعذيب والاعتقال.

وأيا ما كان الاختلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة أو المقاطعة، فلا خلاف في أن المشاركة –كالمقاطعة- قرار سياسي يحتمل الصواب والخطأ، وسوء التقدير وارد عند من اتخذ هذا التوجه أو ذاك، إلا أن الاختلاف غير وارد حول هذه المذبحة التي ينصبها النظام للإخوان المسلمين.

وحقا.. إن كل ذا مظلمة له من يبكيه، إلا المسلمين لا بواكي لهم، ولو أن ما يحدث في حق الإخوان كان يحدث عشر معشاره في حق الأقباط لاشتعلت لك الصحف والفضائيات والمنظمات والهيئات واللجان، ولرأيت على كل شاشة كل ذا عاطفة يبكي.

أما ما ينزل بالإخوان فالكل إزاءه كالعذراء في خدرها، ومن لم يكن كالعذراء ساكتا يُلَمِّح ويُداري، كان كالمومس العاهرة التي يؤرقها أن في الدنيا نساء شريفات فترميهن بالتهم والأكاذيب والافتراءات.

وبرغم اعتراضي على "الوداعة" التي تتلقى بها الجماعة ضربات النظام في صمت، إلا أنه يجب أن نقدر أن جماعة كبرى ولها تنظيم –وإن كان مكشوفا لجهاز الأمن- قادرة على مضايقة النظام، وتفجير ساحة من الصراع مهما كانت النتائج الأخيرة.. ولدينا ما فعله نظير جيد (المعروف بالبابا شنودة) إذ يحرك كم ألفا من الأقباط حتى اقتحام مبنى محافظة الجيزة، لا لشيء إلا لأنهم يريدون بناء كنيسة بالقوة ولم يعجبهم أن الأمن تدخل لوقف البناء.

إذن، إشعال المعارك يمكن أن يتم بسهولة، ولئن كان نظير جيد (شنودة) لا يهتم بإحراق البلد، فإن مما يجب أن يُنْتَبَه إليه ألا نفجر ساحة صراع أخرى مع جماعة كالإخوان، لا سيما وأن ليس ثمة ما يستحق إشعال معركة.. فاللعبة الانتخاية بكاملها تحت "السيطرة الكاملة" للنظام، ويمكن أن تتم العملية بشكل أفضل وأكثر أناقة.

إنه مهما كان الخلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة، فإن الذي لا خلاف فيه أن هذه الجماعة لم تكن يوما ضد هذا البلد ولا ضد مصالحه، بل هي أكثر من قدم الضحايا في سبيل إثبات هذه الحقيقة لو كان في البلد من يسمع ومن يعقل. وهي الجماعة التي لم تحتجها البلاد يوما إلا وكانت في مقدمة من يتحرك، وأعمال الإغاثة في الهيئات الرسمية والجمعيات الخيرية إن لم يديرها الإخوان فهم يشاركون فيها.

وهي الجماعة التي استطاعت أن تتجاوز كثيرا من المشكلات كان أقلها يستطيع تفتيت أحزاب وهيئات ومؤسسات، فمَثَّل أفرادها بهذا –حتى من تركوها- نموذجا في التعالي على الأغراض الشخصية التي تدفع غيرهم لخوض حرب مع المؤسسة حتى هدمها.

وهي الجماعة التي تتناسى الماضي وأيام التعذيب والقهر، ولم تحاول الانتقام من قضاة أصدروا الأحكام أو من جلادين مارسوا التعذيب، أو من أبنائهم وزوجاتهم.. وهي الجماعة التي لم يوجد في مصر أوسع منها صدرا في تحمل النقد والتجريح حتى من بين أعضائها، وأنت ترى عداوات بين رجال السياسة والثقافة تنشأ من موقف أو من مقال ثم تتفاعل وتزيد وتكبر حتى تصير رسالةُ كلِّ طرف أن يهدم الآخر.

والحق أنه ليس في المشهد المصري الحالي من يستطيع منافسة الإخوان في العطاء وفي التاريخ، بما فيهم البرادعي الذي لم نر منه شيئا إلا في الأيام الأخيرة، وكان من قبل هذا عن أمرنا من الغافلين!

لقد اختار الإخوان أن يواجهوا النظام، ربما أخطأوا ولكن، من ذا الذي يستطيع أن ينفي بسالتهم وشجاعتهم وجرأتهم وهم يعرضون أنفسهم لهذا؟؟ لا سيما بعد أن دخل النساء على خط المواجهة، فاحتملت النفوس هما آخر هو أقسى وأشد؟؟!!

ولقد دخلوا المواجهة وهم يعرفون مسبقا، أن لا بواكي لهم، ولن يعلو صوت أحد مدافعا عنهم، حتى مجالس المرأة التي يلهبها ختان فتاة في قبيلة بدوية أو عند منابع النيل لا ترى ما يحل بنساء الإخوان المرشحات للمقاعد التي "جاهدت" لأجلها هذه المجالس.. فمن يملك إلا التحية لهذه البسالة؟؟ ومن في مصر يستطيع أن يكون في هذا الوضع ثم يُخاطر هذه المخاطرة؟؟

وصدق المتنبي لما قال:

أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ ... يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ ... شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ

هناك تعليق واحد: