الجمعة، يونيو 23، 2006

تعقيب على مقال دعاء سلطان بالدستور

السلام عليكم .


كالعادة .. أطالع مقالات صفحة الفن فى الدستور بشغف شديد مثل أخواتها من الصفحات التى تتألق فيها هذه الجريدة ، ومن الطبيعى أن أتفق وأختلف ثم أتفق جزئيا أو أختلف جزئيا .. لكن يظل كل هذا محاطا بكل أنواع الاحترام الكامل والتقدير العميق للغالبية الكاسحة من أقلام الجريدة .

أرجو أن تسمحى لى بتعقيب على مقالك بخصوص الحجاب وأخلاقياته وتأثيره على السينما ..

طرحت - أستاذة دعاء - فى مقالك هذه النقاط ، وأرجو أن أكون وفقت فى الفهم .

1- التمثيل بالسينما يتعارض مع الحجاب
2- حيث أن الجمهور يحاكم المحجبة بأخلاقيات الحجاب
3- تحكم المحجبات فى المنتج والمخرج رغم أنهن أضعف الحلقات الفكرية
4- ومع الحجاب ستضيع المصداقية فى السينما
5- لن يكون الحجاب عندنا مثلما هو فى السينما الإيرانية

بصراحة شديدة ، بداخلى كلام كثير ، واشعر أن الرسالة يمكن أن تطول .. رغم أنى - يشهد الله - أحرص على وقت غيرى جدا ، ولا أحب أن أشغله كثيرا لذا سأحاول الاختصار معتذرا مقدما إن طال الكلام .

بداية لا بد أن أؤكد أنى مهتم بالتعقيب على الأقلام المحترمة فقط ، رغم أن هذه الأقلام تثير النقاش البناء على عكس إهمالى التام لمقالات الصارخين رغم ما تفعله بأعصابى ودمى وحالتى النفسية .

1- قلت إنه لا يصلح التمثيل بالحجاب لعدة اسباب أهمها أن يضع الجمهور سلوك الممثلة تحت ميكروسكوب الأخلاق .

اسمحى لى يا أستاذة دعاء .. فهنا بدا لى خلط دقيق فى الأوراق أعتقد أنه غير مقصود .. تعرفين طبعا أن الجمهور المصرى مهتم بالدين ( بلاش متدين ) .. وإذا اتفقنا على هذا ، فمن الطبيعى أن هذا الجمهور الذى يتعرض لأفلام لا تظهر فيها إنسانة محجبة ( على عكس الواقع تماما ) أن ينتبه لهذا التغير الذى طهر على الشاشة ( الحجاب ) محاولا معرفة السبب .

فإذا كان الحال هكذا ، فوجدنا أن ظهور الحجاب فى السينما يعنى على طول الخط الإساءة له وللمحجبة ووضعه كعنوان على الفساد الداخلى أو النفاق الخارجى أو كوسيلة للقاء جنسى محرم ( منة شلبى فى ويجا ) أو على التخلف والتشدد والغباء فى التربية ( دلال عبد العزيز فى أسرار البنات ) أو وسيلة للنصب والسرقة ( أمثلة كثيرة ) … وغير هذا كثير مما يطيل حصره الكلام دون فائدة … إذا كان الحال هكذا فمن الطبيعى جدا جدا جدا أن نكره - باعتبارى واحدا من هؤلاء - ونندد بهذا التوظيف للحجاب الذى هو فرض فى ديننا الإسلامى الذى نعتز به .

ولا أكاد أرى استثناء لهذا إلا منى زكى فى سهر الليالى .. وهو الفيلم الرائع الوحيد فى آخر عشر سنوات على الأقل فى رأيى … لكن كل الظهور بالحجاب فى الأفلام الأخرى كانت تعنى قيمة سيئة يغطيها الحجاب .

لا أنكر أن فى المحجبات فاسدات .. لكن حين لا يظهر الحجاب فى السنما إلا ليصف هذا الصنف فقط .. فهذا لا يحدث ببراءة وبمحض الصدفة .. بل العكس هو الصحيح فى ضوء ما نسمعه ونراه من مواقف وآراء ( مش فن للفن يعنى ) لصناع هذه الأفلام مثل يوسف شاهين وخالد يوسف وغيرهما ..

لذا فأنا أرى أن وضع الجمهور لسلوك المحجبة تحت الميكروسكوب الأخلاقى هو نتيجة لعدم وجود حياد فى تقديم صورة المحجبة .. وأتوقع إلى درجة اليقين أن هذا سيختفى إذا عرضت السينما سلوك الناس بشكل طبيعى فعرضت المحجبة الملتزمة والمحجبة الفاسدة فى إطار درامى طبيعى دون الضغط على قيمة الحجاب المشوه .. فى هذه الحال سيتقبل الجمهور دور المحجبة الفاسدة لأنه يرى فى ذات اللحظة النموذج الآخر الملتزم فعلا .

** ملحوظة على الهامش : لم يكن دور دلال عبد العزيز دور موظفة عادية فى فيلم أسرار البنات بل كانت نموذجا للمحجبة المتشددة الغبية فى تربية البنت والتى تحيطها بآلاف القيود الغبية .. فى مقابل النموذج المنفتح الذى أراد الفيلم تسويقه متمثلا فى سوسن بدر الأخت .. هذه رؤيتى طبعا .


2- هل ستختفى المصداقية فى الفيلم بوجود الحجاب ؟

لو نظرنا - من منطلق فنى بحت - إلى السينما الإيرانية التى تلتزم بالحجاب وبعدم اللمس والقبلات والأحضان بين الرجل والمرأة .. أكرر وأؤكد ، من منطلق فنى بحت .. ألم تنجح هذه السينما فى تقديم فن تكتمل له الأركان الفنية وحصل على جوائز عالمية ( لم تحصل عليها السينما المصرية المنفتحة والتى تحافظ على المصداقية ولا تحكم على الفن بمعيار أخلاقى ) ؟؟ .. لقد نجحت فعلا .

هذا النجاح يؤكد - من منطلق فنى بحت - إمكانية وجود سينما تقدم فنا متكامل الأركان دون تعرى وأحضان وقبلات .. قلماذا ينجح هذا فى إيران بل ودوليا ، ولا ينجح فى مصر ؟؟؟
قد تقولين : إنه لايحقق المصداقية فكيف تنام ممثلة بالحجاب بدبابيسه فى غرفة نومها .. أو تمثل دورا لقصة حب ملتهبة دون أن تسمح بلمس يدها ؟

وردى أن هذا ممكن جدا والله بقليل من الحرفية والتفكير من صناع الفيلم .. وقد أبدع كثيرون فيما هو أصعب من هذا .. فى التمثيل الصامت مثلا الذى يلقى بنهر من الأفكار والمشاعر بدون أى ألفاظ .. أليس هذا أصعب ، بل ودعينى أقول إن هذا نجح فى مصر .. كيف ؟؟

تقريبا لا يوجد فيلم أجنبى إلا ويحتوى على لقطة جنسية .. وهى غالبا موظفة دراميا ، ولما كانت مثل هذه اللقطات لايمكن أن تعرض فى مصر فإن الفيلم يعرض محذوفا منه هذا المشهد ، ويفهمه الجميع ويتعامل معه الجميع دون تأثير يذكر لهذه اللقطة .. بل وتمكن صناع الأفلام المصرية من صناعة أفلام قوية جدا دون أن يلجأوا إلى مشاهد جنسية صريحة ..

هذا يعنى أنه ليس هناك ثوابت فى التعبير .. يمكن جدا أن نعبر عن قصة حب ملتهبة دون لمسة يد ودون أحضان ، ويمكن أن نعبر عن حياة فتاة كاملة دون أن نلجأ لتصويرها فى غرفة النوم فنقع فى إشكالية الحجاب والمصداقية .. كل ما فى الأمر هو قليل من التفكير .. كما تم الاحتيال على صناعة أفلام بدون لقطات جنسية - على خلاف الثوابت الغربية للفن - يمكن صناعة أفلام معبرة جدا وملتزمة جدا .

وقد يكون كلامى هذا نظريا بحتا لو لم يكن امامنا مثال حى وهو السيينما الإيرانية الملتزمة والناجحة فى نفس الوقت .

** ملحوظة على الهامش : وجود منتجين ومخرجين يفصلون الأدوار هذا ليس حكرا على المحجبات بل يفعله الجميع وبالتأكيد أنت أدرى منى بهذا ، وشرح طرفا منه الأستاذ الدسوقى رشدى أسفل مقالك مباشرة .. وعن نفسى لا أرى هذا عيبا إلا أن يكون العمل نفسه ذو قيمة ضعيفة .

** ملحوظة أخرى على الهامش : حذف منتج لمشهد القبلة لأنه حرام .. فهى بالقطع حرام ، وأرجو من كل قلبى ألا تكون هذه الإضافة ساخرة .. لأن القبلة حرام بإجماع المسلمين ولم يوجد عالم واحد أحل القبلة ” الفنية ” .. كون البعض غير مقتنع بهذا أو لا يرى هذا .. فهو حر .. لكن سيظل الحكم الشرعى هو الحكم الشرعى .

ثم إنه لا يجوز أن يصلى موزعوا ( ويجا ) استخارة على توزيع الفيلم .. لأنه لا تجوز الاستخارة على الحلال الواضح أو الحرام الواضح .. لا يجوز مثلا أن يستخير واحد هل يصوم رمضان أم لا لأن الصيام فرض .. أو يستخير هل يزنى أم لا .. لأن الزنا حرام واضح الحرمة … الاستخارة كما هو معروف تكون فى الأمور الدنيوية اليومية التى يستعين فيها أحدنا بعلم الله ليوفقه إلى القرار الصحيح .


3- وضع السينما الإيرانية .

أنا متفق معك فى كل ما قلتيه عن السينما الإيرانية من حيث أنها تحتال لتقدم قضايا شائكة وحرجة ، وأنها سينما قوية ، وأن الحجاب وعدم اللمس هى محاذير رقابية .. متفق معك فى كل هذا مع التأكيد على أنه ليس كل أفلام السينما الإيرانية - وأزعم أنى متابع لما يكتب عن أفلامها لعدم تمكنى من رؤية الأفلام ولعدم توافر ترجمة عن الفارسية أو الفرنسية بالنسبة لى - تهتم بقضايا الجنس والمرأة والدين والسياسة .. هناك قدر كبير جدا من أفلام تناقش القضايا المجتمعية .

لكننى لا أدرى ماقيمة هذه الفقرة فى هذا الموضوع .. فهذه الفقرة تؤيد وجهة نظر المحجبات فى إمكانية وجود سينما قوية شائكة جريئة ، وفى ذات الوقت ملتزمة ومنضبطة بمعايير رقابية … وهذا ما نريده جميعا ، نريد السينما التى تتحدث فى الدين والسياسة وكل القضايا الشائكة .. والحمد لله أن هذا ممكن فى وجود الحجاب بشرط وجود عباس كيروستامى - كما تقولين - .. أو مهرجوى وبيضائى ومخملباف وسميرة مخملباف

أى أن المشكلة ليست فى الحجاب ، وإنما فى كفاءة من يستطيع التحرك ليعبر عن أفكاره مهما كانت المعايير .


أدرك تماما أنى أطلت .. ويعلم الله أنى لم أقصد هذا .. وأعتذر مرة أخرى اعتذارا حارا على الإطالة وإضاعة الوقت .

شكرا جزيلا

7/6/2006

هناك تعليق واحد:

  1. تلقيت هذا الرد بتاريخ : 9/6/2006

    —————————–

    استاذ محمد إلهامي بداية أشكرك بشدة على اهتمامك الرائع بقراءة مقالي واهتمامك الأكثر روعة بتفنيده والاختلاف معه بطريقة هادئة ومتحضرة .. أرجو أن تتقبل عذري في عدم قدرتي على الرد عليك في الوقت الحالي بسبب انشغالي الشديد ولكني أعدك بالرد .. فقط اتمنى ان لا تكتفي بالقراءة عن السينما الايرانية فمشاهدتها اجمل بكثير من القراءة عنها .. ولو كنت قد شاهدتها لفهمت قصدي من وضع فقرة عنها ولعرفت أنها سينما لم تنجح وتحصل على الجوائز لأنها ملتزمة بالحجاب بل لأنها تحاول التملص منه والتمرد على شروطه .. حتى ولو اضطر مخرجوها لتصوير الافلام خارج إيران كي تظهر الممثلات غير محجبات .. فهل تعلم يا سيدي الفاضل أن في ايران سينما لا توجد فيها محجبات أيضا ..
    عموما اعتذر عن ضيق وقتي وولك في ذمتي رسالة طويلة ومن الممكن أن تكون أطول من رسالتك للرد عليها ولكن اعذرني فقط في الوقت الحالي ..
    أشكرك بشدة على مساهمتك بوجهة نظرك التي تستحق بالفعل كل احترام ويا ليت كل المختلفين في مثل رجاحة عقلك وتفهمك ..
    شكرا عزيزي محمد ..
    السلام
    دعاء

    —————–

    انتهى .

    ردحذف